ها قد انتهى الاستفتاء حول الدستور بايجابية "سُوفييتية"، فهل نجحت
الدولة في كسب رهان التغيير الهادئ والاستجابة لمطالب الشعب المتمثلة في
الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية؟ قطعاً لا.
لقد كانت للدولة فعلاً فرصة تاريخية لقيادة "الاستثناء" من المحيط الى
الخليج، في وقت استفاقت فيه الشعوب وقررت أخيراً تقرير مصيرها بأيديها.
الفرصة أعطاها الشعب حين خرج في مسيرات سلمية يُطالب بمحاكمة المفسدين
والجلادين والافراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي قبل أي مراجعة
دستورية، لأن ذلك سيكون اشارة اليد البيضاء المبسوطة لقيادة التغيير
الديموقراطي الحقيقي. فلقد تابع الجميع كيف أن المفسدين والمستفيدين من
اقتصاد الريع والامتيازات كانوا أول من رحب بمشروع الدستور، لسبب بسيط، هو
أن هذا الدستور لا يحتوي على ما يُخيفهم أو على الأقل ان كان العكس فسيضل
سطوراً مطوية كسابقيه.
يبدو أن الدولة لم تحسن استغلال هذه الفرصة حين عمدت الى اخراج
أساليبها العتيقة مرة أخرى، والمتبعة في الاستفتاء حول الدساتير، فجيشت
أعوان السلطة والاعلام العمومي والجمعيات والفرق الرياضية، كُل هذا لحصد
تصويت كاسح على الطريقة "السوفييتية"، بل الأخطر من هذا كله، حين أقدم
أعوان السلطة من "المقدمين" و "الشيوخ"، على استغلال أمية أزيد من 60 % من
الشعب المغربي ليُعيدوا الأسلوب العتيق للمخزن في حشد الجماهير للاستفتاء
حول الدستور وأعينهم مُغلقة.
الشحن الخطير للشعب بمغالطة أخطر في الزح باسم الملك في عملية
الاستفتاء على وثيقة الدستور، جعله "استفتاءٌ على المَلك" والتصويت
بـ"نعم" هو اختيار للملك، في الوقت الذي قام الملك هو أيضاً بالدلاء بصوته
كأي مواطن.
عادل أربعي
النسبة
"الايجابية" التي تم الاعلان عنها بعد انتهاء الاستفتاء تُعبر عن شيء
وحيد، هو أن هذا الشعب لايزال وَفِياً للملكية فقط، أما الدستور كوثيقة
فأغلبية الشعب لا يعلم مُحتواها ولا أهميتها ولم يطلع حتى على مُحتواها.
فغالبية الشعب ذهب لصناديق الاقتراع على أمل أن التعاقد الجديد سيُحسن له
مستواه المعيشي ويُنقذ ساكني الصفيح من عيشة الذل ويُشغل المعطلين وضمنه
سيُنصف المظلومون ويُحاكم الجلادون والمفسدون، هذه بعض من أهم "الأمال"
التي من أجلها صوت المواطن المغربي بالايجاب يوم الاستفتاء. فالشعب يُريد
التغيير في العمق بالقطع مع الاستبداد ومظاهر الفساد، والذي سيلامس من
خلاله معنى الحرية ويستنشق الديموقراطية ويعيش في كرامة.
"بلطجية" الدستور، هم ضحايا "الأسلوب المخزني" للاعلام العمومي،
فالاستغلال الجبان من طرف الاعلام العمومي لبؤس المواطنين وأميتهم وفقرهم
في سبيل حشد التأييد للوثيقة الدستورية هو أمرٌ يجب أن يُعاقب عليه
القانون، لأن الدعوة الى قبول مشروع الدستور والتصويت بــ"نعم"، في نظري
كان من الأفضل للدولة أن تُرفقه بوضع "نعم" فقط رهن اشارة المواطنين
بمكاتب التصويت وتُلغي "لا" ما دام الجميع يدعو الى قبول الدستور.
الدولة خسرت اذاً رهان الافلات من اللهيب القادم من الشرق، ووسام
"قيادة" المنطقة أصبح على كف عفريت، فما على الدولة الأن سوى لعب ورقة
المصالحة للخروج من عنق الزجاجة، وهي أخذ المطالب الكبرى لشباب حركة 20
فبراير بالجدية والمسؤولية اللازمتين، وقبول نبض الشارع السلمي، فكسب
الوقت بات من الماضي وكبح الجماح بالقمع أصبح لا يُرهب أحداً، وجدار الصمت
قد انهار ومياه التغيير قد تحركت، فلا مناص الأن من ديموقراطية حقيقية
تكون فيها الكلمة للشعب.