مشروعية إهداء قراءة القرآن الكريم للأموات :
بسـم الله الـرحمـن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين .حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وسابغ نعمه التي لا تعد ولا تحصى . ثم صلاة وسلاماً دائمين متلازمين على رسوله الأمين المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ومولانا وإمامنا محمد وعلى آله وأصحابه واتباعه إلى يوم الدين .
وبعد:
ففي مقالة نشرتها جريدة ( صوت الأزهر ) يوم الجمعة بتاريخ 18 ذي الحجة سنة 1425 هجرى الموافق 28 يناير سنة 2005 ميلادي تحت عنوان :
( الحجج الدامغات في ثبوت مشروعية إهداء قراءة القرآن وسائر القربات للأحياء والأموات ) كتبها الأستاذ الدكتور جودة ابو اليزيد مهدى الاستاذ بجامعة الازهر الشريف حفظه الله قال سيادته : "من الحقائق المؤكدة التى قررها القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع . وأكدها علماء الاصول أن الله سبحانه شرع الأحكام لحكم ومصالح يعود نفعها على العباد رحمة بهم وتيسيراً عليهم كما قال جل شأنه : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " . ولكن فريقاً من الناس قد عمدواْ الى تضييق رحمة الله الواسعة . وجنحواْ إلى التشديد على الأمة فحرمواْ ما أحل الله افتراءً على الله وأشاعواْ في أجهزة الدعوة والإعلام تحريم أمور كثيرة توافرت الأدلة والبراهين على حلها واستحبابها.
ومن ذلك دعواهم أن قراءة القرآن وإهداء سائر القربات للغير أحياءاً وأمواتاً من البدع المحرمة . وهذه الدعوة مجانبة للحق والصواب افتراءً على الله ورسوله . وهذه طائفة من الادلة الشرعية المثبتة لجواز قراءة القرآن الكريم والذكر والعبادة وإهداء ثوابها للاحياء والاموات على السواء .
فالدليل الاول :
أن الامام البخارى رضى الله عنه جعل عنوان باب من كتاب الجنائز في صحيحه : باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة . وروى فيه بسنده عن طلحة بن عبد الله بن عوف انه قال : صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب . قال : ليعلمواْ أنها سنة .
والدليل الثانى :
وفيه مشروعية صلاة الجنازة على القبر كما يفيد مشروعية الصلاة مطلقاً بجوار القبور ما لم تنبش ، ما رواه البخارى –فى نفس الكتاب والباب من صحيحه –عن أبى هريرة رضى الله عنه : أن أسود –رجلا كان أو امراة – كان يقم المسجد فمات ولم يعلم النبى صلى الله عليه وسلم بموته . فذكره ذات يوم فقال صلى الله عليه وسلم : " ما فعل ذلك الانسان ؟ " قالواْ : مات يا رسول الله . قال : " افلا آذنتمونى ؟ " فقالواْ : إنه كان كذا وكذا …قصته ، قال : فحقرواْ شأنه . قال : " فدلونى على قبره " فأتى قبره فصلى عليه . … ولا يخفى أن صلاته صلى الله عليه وسلم مشتملة على تلاوة القرآن والدعاء لرحمة الميت . الدليل الثالث :
أخرج الامام أحمد والطبرانى وغيرهما عن معقل بن يسار ان النبى صلى الله عليه وسلم قال : { البقرة سنام القرآن وذروته . ونزل مع كل آية منها ثمانون ملكاً . واستخرجت ( الله لا اله الا هو الحى القيوم ) من تحت العرش فوصلت بها و( يس ) قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله تبارك وتعالى والدار الآخرة إلا غفر له. و اقرؤها على موتاكم } .
وقد رد الامير الصنعانى في ( سبل السلام ) 2 / 244 على من قال أن المراد بالميت هنا المحتضر بقوله : وهو شامل للميت . بل هو الحقيقة فيه . اه
الدليل الرابع :
وهو من كتاب ( الروح ) لابن القيم السلفى حيث روى فيه عن الخلال عن الحسن الوراق قال: حدثنى علي بن موسى الحداد وكان صدوقاً قال : كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري فى جنازة . فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر . فقال أحمد : يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة . فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله . ما تقول فى مبشر الحلبي ؟ قال : ثقة .. قال : كتبت عنه شيئاً ؟ قال : نعم . قال : فأخبرنى مبشر عن عبد الرحمن بن العلا بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن : أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها . وقال : سمعت ابن عمر يوصى بذلك . فقال له أحمد : فارجع وقل للرجل يقرأ …. هذه هى السلفية الحقة لا السلفية المختلقة المدعاة .
الدليل الخامس :
ما نقل عن السلف الصالح تطبيقاً من المصادر السلفية المنصفة . فقد نقل ابن القيم أيضاً فى كتاب ( الروح ) عن العلامة الخلال السلفي عن الامام الشعبي أنه قال : كانت الأنصار إذا مات لهم ميت اختلفواْ الى قبره يقرؤن عنده القرآن .
الدليل السادس :
ما رواه الامام أحمد والبخارى ومسلم عن الإمام ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال : مر النبى صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير " ثم قال : " بلى : أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة . وأما الآخر فكان لايستتر من بوله " قال : ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين ثم غرز كل واحد منهما على قبر . ثم قال : " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " .
قال الإمام الخطابى : فيه دليل على استحباب تلاوة القرآن الكتاب العزيز على القبور لأنه إذا كان يرجى عن الميت التخفيف بتسبيح الشجر فتلاوة القرآن العظيم أعظم رجاء وبركة .
الدليل السابع :
أخرج ابن أبى شيبة من طريق أبى الشعثاء جابر بن زيد –وهو من ثقات التابعين أنه كان يقرأ عند الميت سورة ( الرعد ) . قال الحافظ ابن حجر سنده صحيح .
وفى ( سبل السلام ) للصنعانى أخرج أبو الشيخ فى فضائل القرآن وأبو بكر المروزى فى كتاب الجنائز عن أبي الشعثاء – صاحب ابن عباس – أنه يستحب قراءة سورة ( الرعد ) .
وزاد فإن ذلك يخفف عن الميت . وفيه أيضاً عن الشعبى : كانت الانصار يستحبون أن تقرأ عند الميت سورة ( البقرة ) .
هذه بعض الادلة والحجج التى تثبت وتؤكد مشروعية قراءة القرآن وإهداء ثوابها للاموات . وبالله التوفيق وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . انتهى .
|