حكايات من زمن الدستور
حكايات من زمن الدستور
سعيـد بوخليـط
2011-07-20 17:03:00
في خضم "هيلالة" حملة نعم، التي ابتغت بكل الوسائل أسطرة دستور، يبقى في نهاة المطاف مجرد بنود لغوية، من وضع بشر قد يخطئون وقد يصيبون، تداول المراكشيون من وراء الكاميرا طرائف عن غرابة ما يقع أو ما سيقع، تبين بشكل لا لبس فيه أن الفئات المسحوقة من الشعب، وقاعدته العريضة، لم تفهم شيئا مما جرى، بل أُريد لها ذلك، فاختلطت لديهم متواليات اللغة ب "شبّيك لبّيك" لازمة العفريت المشهورة، حيث مغرب الثاني يوليوز يجبّ ما قبله، فتشق عصا موسى صنم الاحتقار واللامبالاة، ثم تتفجر ينابيع الرحمة على امتداد هذه الصحراء، وفرة بالقسطاس... .
الحكاية 1 :
تجادل شخصان، من بين أشياء كثيرة، حول معنى الدستور ودلالة الاستفتاء الدستوري. فأراد أحدهما، اختبار معارف الثاني، وخلخلة نمطية أفقه، بسؤال مباشر: ماذا تعرف عن الدستور ؟ فكان جواب، الثاني : ((لا يهمني، الدستور ولا الباكور الهندي ! المهم، الدستور وباسْ. شوف، راه المخزن بحال البحر ؟ )).
الحكاية 2 :
استغرب إبراهيم أيما استغراب، لأول مرة سيلامس "كينونته". هكذا، دون علم منه وصلت بطاقته الانتخابية منزله، بواسطة فاعل الخير ؟ إنه مقدم الحي، وهو الذي كان يأبى حتى أن يرد على تحية إبراهيم، فما بالك بإمضاء. ازداد عجبه أيضا، لأن الداخلية كتبت هذه المرة اسمه بطريقة صحيحة، بعد أن أخطأت مرتين، سورياليا بخصوص بطاقته الوطنية، بل مكان صورته وهو شاب، في مقتبل العمر، وضعوا صورة عجوز شمطاء.كم سخرت منه زوجته !
الحكاية 3 :
يوم الاستفتاء، توجه محمد إلى مكتب التصويت، ثم رمى في الصندوق ورقة لا. حينما، غادر التقى صدفة أحد معارفه، الذي استقصى من باب الفضول عن اختياره. أخبره محمد بكل عفوية، لكن السائل صرخ في وجهه مكشرا عن أنيابه : ويحك ! لقد جلبت عليك يا حبيبي المشاكل، وفتحت أبواب جهنم، وربما تقضي ما تبقى من حياتك في عكاشة. لبس الرعب محمد، عاود الرجوع إلى المكتب، فاقترب من الرئيس، هامسا في أذنه بأنه جاء ثانية لتصحيح خطأ ارتكبه في عملية التصويت الأولى، فأجابه الأخير، بصوت يضمركل معاني التسلط ((صافي غير سير، راه قمنا بالواجب وصححنا الخطأ، وحذاري من تكرار نفس الحماقة في مناسبة قادمة((.
الحكاية 4 :
كان فقيه المسجد، يسرد ما تيسر، وفجأة ارتمى على ميكروفون، وبدأ يردد بصوت أجش، كلمات النشيد الوطني، التحق به شباب الحي، اختلط الحابل بالنابل، وبدأوا يهتفون بأعلى ما ملكت حناجرهم : ((الدستور اللي بغينا، واللانحرقوا، جدّها هاذ المدينة)).
الحكاية 5 :
جاء مقدم الحي عند السي عبد السلام، إحدى الشخصيات المعروفة بين صفوف الساكنة، كي يؤكد عليه بضرورة تهيئ "الملزومة" يوم الاستفتاء، لأعضاء مكتب التصويت، المقصود هنا وليمة سمينة وغليظة، تشمل ما لذ وطاب من اللحم والدجاج وفصائلهما. لكن، السي عبد السلام رفض بقوة ملقيا في وجه المبعوث المخزني، ما يلي: ((ألم ينقرض بعد شبح البصري ؟ )) رد عليه المقدم، وهو يسرع الخطى نحو دراجته النارية : ((الله اعلم أخويا ! المهم شغلك هذاك، راه الدستور هذا يا عمي...)).
الحكاية 6 :
أحدهم، من كثرة إدمان الألسن : دستور، دستور، اعتقده مرشح من أصحاب المائة والمأتي درهم، فشرع يهاتف معارفه وأقرباءه : ((نشاعْ الله، هذا الصيف سنوفر ربحا مهمزا، من سيدنا الدستور، المهم، غادي تصيفوا على حسابي...)).
الحكاية 7 :
الشباب التبس لديه الدستور بالكرة، فغير البعض منهم الأعداد الطبيعية من : واحد، إثنان، ثلاثة ، أربعة... إلى : الدستور (يعني واحد)، اثنان، ثلاثة، الجزائر (إحالة على هزيمة 4/0)، خمسة...، ومن كثرة تداول كلمة دسترة، صارت عندهم موضة دعائية: ((ياربي "ندسترو" كأس إفريقيا)).
الحكاية 8 :
كلما حضر سياسي للحديث عن هذا الدستور/الخارق، وباختلاف السند السياسي، سواء طبّالا أو مزيكاتيا أو ضابط إيقاع، إلا وشرع يرجئ في ما شاء الله : نشاعْ الله الصحة، نشاعْ الله القراية، نشا عْ الله الخدمة، نشاعْ الله الترفيحة والتبريعة...، نشاعْ الله حيث نشاعْ الله، فصرح أحد الشيوخ، ضجرا : ((واقيلا، عاوتني هاذ دستور نشاعْ الله، سيبقينا على باب الله )).
الحكاية 9 :
امرأة معروفة باقتحامها الجريء، توجهت إلى موظف في المقاطعة تطلب منه معرفة مصير وثيقتها، غير أن صاحبنا وبنوع من التعالي أحالها إلى ما بعد الدستور : "سيري، حتى يدوز الدستور..."، لم تتحرك المرأة من مكانها، وأمام الملأ، أرخت العنان لصوتها على الطريقة المصرية : ((حشْ، حشْ، يا حوّاش ! داستور يا دستور، سامحوه يا هْلا السماح، شوف أخونا، دستور وبلا دستور، ورقتي هي ورقتي...).
الحكـايـة 10 :
مع أولى ساعات، صبيحة يوم الاستفتاء، أسرع شخص إلى الجلوس بالقرب من مكتب للتصويت، وهو يحرض المارة : ((أممتي الحاجة، أعمي الحاج، خويا الشاب، أختي الغزالة، المهم بلا وصاية، تهلاّو في نعم. على غفلة منه، نبع أحد المتسكعين، يرقص مخمورا على نشيد : ((الشعب لا يريد، بعد نعم، سياسة النعام، وعلاش ياغزالي، يادستور ماشي ديالي، الشعب يريد خبزا وكرامة، وليس Bla, Bla, ..Bla، استفتي قلبك، راه الكذوب حرام إيدخلو مولاهم إلى جهنم)).
الحكاية 11 :
زعيم، يخاطب الحشد : ((مغرب ما قبل، لن يكون كمغرب ما بعد...)) قاطعه، أحد الحاضرين : والضمانة ؟ أجابه الزعيم، وقد انتفخت عضلات وجهه : "شوف أولدي، الضمانة هي دار الضْمانة" قهقهات، عمت المكان. نهض المواطن، من كرسيه، وبانفعال شديد، توجه إليه ثانية : يعني؟ أحس الزعيم بزلة اللسان، فقال له : "يعني ما أعني، المهم صوت بنعم، وما يكون غير الخير".
الحكاية 12 :
يتحدث شيخ، إلى جاره، ((الله يعاون، مسكين هاذْ الدستور، في طريقه شلاّ حْوايج، غير أوكان، الله يرحم أيام الفرنسيس، المعقول هو المعقول، اللي عندو شي قضية في دار الحْكام، يحصل عليها، بْلا ريال بْلا جوج...)).
الحكاية 13 :
بعد الإعلان عن الرقم الطفولي %98، التقى مجموعة من الأصدقاء، في المقهى، والدهشة تستحوذ على حواسهم، لأن المعطيات التي لديهم ليست بهذا القدر من الملحمية. بعد التخمين، اتفقوا على أن يبقى الأمر مجرد فيروس غمر الحاسوب، فوقعت خربطة في اللعبة، أو ربما كوميديا رمضانية على طريقة : شاركتي معنا في الكاميرا الخفية... .
boukhlet10@gmail.com