رغم التعددية الحزبية التي
يعرفها المغرب,ورغم ان بلدنا توفرت فيه نخبة سياسية مبكرة في الوقت الذي
كانت فيه اغلب الدول العربية تتلمس خطواتها في المنظومة السياسية,إلا ان
واقع الممارسة الحزبية في المغرب يطرح أكثر من سؤال حول مدى مصداقية هذه
الأحزاب وحول الدور الذي تقوم به في ظل نظام سياسي غارق في الفوضوية,وفي
هذا السياق سوف اتخذ من حزبي الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية نموذجا
للحديث عن هذه الفوضوية..
من الأحزاب التي راكمت
تاريخا مشرفا,يبدو حزب الاتحاد الاشتراكي الأكثر حضورا,لكن ما يقع لهذا
الحزب تقريبا منذ أكثر من 13 سنة يؤدي بنا الى طرح عدد من الأسئلة حول واقع
ومستقبل حزب كان صوته قويا ومرعبا في أيام طوال أربعة عقود من الزمن,فأن
يقوم مؤخرا احد وجوهه المعروفة أي عبد الواحد الراضي ويدلي بتصريح غريب حول
ان ما تحقق في الدستور الحالي هو ما كان ينادي به بنبركة وبوعبيد لأمر
خطير يؤدي بنا الى التشكيك في تلك المصداقية القليلة التي بقي هذا الحزب
يتوفر عليها,فبنبركة كما يعرفه الجميع لم يكن ينادي بدستور يكرس الصلاحيات
الكبرى للملك أو بدستور ممنوح لم يأتي من رحم الاختيار الديمقراطي وإنما
بدستور شعبي ديمقراطي لا يعطي الفرصة لأي تأويل سلطوي,فكان من باب الاحترام
للموتى ان يدلي الراضي بتصريحه دون ذكر لبنبركة الذي لو كان حيا لأصيب
بالجنون بسبب ما آلت إليه أوضاع واحد من أكثر الأحزاب شهرة في المغرب..
واقع الاتحاد الاشتراكي
يطرح اليوم أكثر من تساؤل,فالحزب صار تقريبا بلا اديولوجية واضحة بعدما فرط
في عدد من المبادئ اليسارية التي قام عليها,فلم يعد لا بحزب يساري ولا
بيميني ولا حتى بحزب وسط,وصارت مكانته في الحياة السياسية جد ضحلة خصوصا
بعد فشل تجربة حكومة التناوب وخروج اليوسفي نهائيا من العمل السياسي ممتعضا
من الدخول الى دوامة دمرت الحزب تنظيميا وميعت نضاله التاريخي المعروف
وحولته الى حزب الكراسي الناعمة و النضال المشوه..
حزب آخر بدٲ يوقع وثيقة
وفاته وهو لا يزال في ريعان شبابه,انه حزب المصباح الذي صار يكرس المعارضة
الصورية,أي المعارضة التي لا تعارض شيئا,وإنما تلك التي يتم وضعها كديكور
في الحكومة لكي نبين للعالم ان المغرب يتوفر فعلا على أحزاب تعارض النظام
القائم,فقد غاب عن هذا الحزب ان المعارضة السياسية كما يعرفها الخبراء
السياسيون هي تلك التي تعارض النظام ككل بحيث تقف على ابرز أخطائه وتنادي
بالإصلاح الشامل,لكن ما يقوم به حزب العدالة والتنمية هو فقط معارضة بعض
الأحزاب الإدارية ممن ليست لها أصلا أي دور سياسي كبير في المملكة المغربية
بسبب هيمنة المؤسسة الملكية على دائرة القرار,أما ان يعارض النظام القائم
ويطالب بإصلاحات جذرية عليه,فهو ما لا يقوى سي بنكيران على فعله,لأنه يعرف
ان هذا النوع من المعارضة سيبعده عن حلم الوزير الأول الذي ما طالما يحلم
به..
وحتى عندما قام هذا الحزب
بحملته الشعواء ضد حزب الأصالة والمعاصرة,فهو لم يقم بذلك من اجل سواد عيون
المغاربة,أو لأنه خائف على البلاد من الفساد,ولكن أساسا لأنه خائف على
مكانته السياسية التي تبوأها منذ الانتخابات التشريعية لسنة 2002,فالأصالة
والمعاصرة استطاع رغم حداثة عهده ان يفوز بالمركز الأول للانتخابات
الجماعية سنة 2009 ,وهو ما لم يستسغه اسلاميوا القصر الذين أحسوا بأن
مكانتهم السياسية في خطر,بل حتى وهم يحاربون حزب الجرار,لم يقوى زعيمهم
يوما ان يذكر بأن حزب الأصالة والمعاصرة هو حزب القصر وبأن هذا الأخير هو
من كانت له اليد الكبرى في إنشائه,فالفرق بين 20 فبراير والعدالة
والتنمية,هو ان الحركة ذهبت الى أصل الداء,بينما بقي حزب المصباح يشتم في
النتائج دون ان تتوفر له الشجاعة للوصول الى الأصل..
عندما خرجت حركة 20 فبراير
الى الشوارع وتبين ان اغلب شبابها مستقلين سياسيا من أي تنظيم حزبي
معين,انبثق سؤال وجيه وهو لماذا خرج الكثير من الشباب المغربي للمطالبة
بتغيير سياسي من خارج المؤسسات التي يخول لها القانون ان تقوم بهذا
الدور؟الجواب سهل وواضح,وهو ان هذه الأحزاب فقدت دورها الريادي وصارت عاجزة
عن تبني مطالب فئات واسعة من المجتمع,فما عايشه الشعب المغربي من فساد
انتخابي ونفاق سياسي بحيث بقيت البرامج الحزبية مجرد حبر على ورق لا ينفع
إلا في المهرجانات الخطابية والبرامج الحوارية على قنواتنا,كلها عوامل أدت
بالشباب المغربي الى العزوف عن العمل الحزبي والى الخروج عفويا الى الشارع
مطالبين بالتغيير,وما يؤكد هذا العجز التي تتخبط فيه جل الأحزاب
المغربية,هو طريقة تعاملها مع الحركة,ففي البداية,كانوا ضدها وتوجسوا من
مطالبها,بل وصرح أكثرهم بان المغرب بخير ولا يحتاج لأي إصلاحات ما دامت
مسيرة التقدم بدأت منذ مدة,وعندما نجحت المظاهرات الأولى للحركة,خرج
زعماؤهم ليعلنوا انضمامهم لمطالب الحركة,لكنهم مباشرة بعد الخطاب الملكي
الأخير الذي أسس للدستور رقصوا فرحا وتسابقوا لقول نعم رغم ان الحركة لا
تزال مقاطعة للدستور,بل حتى ان الكثير من الوجوه الحزبية المعروفة التي
نظرت للحركة وكانت تمثل دعامة سياسية لها,قالت "نعم" للدستور رغم اقتناعها
بأنه لم يستجيب للمطالب التي كانوا يرفعونها...
ما يحدث في المغرب حاليا هو
"حريرة" سياسية بكل ما تحمل الكلمة من معنى,فكيف تريد من الشباب ان ينخرط
في العمل الحزبي وهو يرى أقطاب هذه الأحزاب بلا مبادئ وبلا برامج حقيقية
يناضلون من اجلها؟كيف نثق في أحزاب تتلون كالحرباء وعندما تطلب منها موقفا
واضحا تبدٲ في صياغة لغة الخشب التي لا تقول شيئا؟ربما ان هناك بعض
الاستثناءات مثل محمد الساسي الذي بقي على نفس المبادئ وعلى نفس الأفكار
غير عابئ برضا أو سخط المخزن عنه,لكن الاستثناء يؤكد القاعدة ولا
ينفيها,والقاعدة هي ان الأحزاب المغربية تعتبر مجرد ديكورات تزين الحكومة
والبرلمان لمغالطة الشعب المغربي والعالم بأننا نتوفر فعلا على ديمقراطية..
ديمقراطية ماروكان..