عندما "انطلقت حركة 20 فبراير" بالمغرب لم تختر خصومها، وبما أنها حركة مطلبية تناضل من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وفصل السلط والقضاء على الريع بمختلف أشكاله، مع سيادة الإرادة الشعبية، بحيث تنطلق وتؤول السلطة للشعب، يمارسها عبر انتخابات حرة ونزيهة... فإن كل من له "وجهة نظر" مخالفة قد اصطف في مواجهة "حركة 20 فبراير"، ويسهل لكل متتبع تحديد أصناف هؤلاء:
ـ المخزن: هو منظومة من السلوكات المترسبة في الواقع السياسي والقيمي والذهني لدى فئات عريضة من الشعب، هو جهاز سلطة متحكمة في كل شيء، وله آليات ما فوق ديمقراطية رغم اعتماده على بعض مظاهر "الحداثة" كإدارة حديثة كان للاستعمار فضل وضعها منذ البدايات الأولى للاحتلال... المخزن له امتداد في الزمن المغربي يعود لقرون، يعتمد مركزية الحكم، ومرونة في التحالفات التي تتبدل حسب الظروف (القبيلة ، الزاوية، الحزب..)، المخزن لا يرغب إطلاقا في أي ديمقراطية لأنها ستحد من صلاحياته التي يريدها بدون حد وبدون مراقبة، رغم اضطراره أحيانا إلى استعمال مساحيق "ديمقراطية" لتزيين الواجهة كسماحه بانتخاب برلمان دون صلاحيات.
ـ مافيا الانتخابات: هم الأشخاص أو الشبكة المنتفعة من الريع السياسي الذي انطلق منذ "المسلسل الانتخابي" سنة 1977، لم نسمهم أحزابا، لأن ذلك لا ينطبق عليهم بحيث إنهم غير منضبطين لحزب معين، وهم بسلطتهم وعلاقاتهم المحلية فوق الأحزاب، وغالبا ما تسعى بعض الأحزاب لنيل ودهم، ماداموا قادرين على "النجاح" في كل الانتخابات، باستعمال شبكتهم وتأثيرهم الخاص على فئات من المواطنين باعتماد الزبونية والتدليس والارشاء، ولدى بعضهم القدرة على التدخل لدى إدارات عمومية بشكل غير مشروع... هؤلاء "المنتخبون" رؤساء مجالس محلية ومستشارون بها وأعضاء بمجلس النواب بغرفتيه وأعضاء بالغرف المهنية (فلاحة، صناعة تقليدية..) وأغلبهم قد اغتنوا بشكل فاحش في ظل التفقير المستمر لمحيطهم وجماعاتهم المحلية، يرون في مضمون مطالب "حركة 20 فبراير" تهديدا صريحا لمصالحهم، عبر "الوعي" الجديد الذي قد يصل إلى الشباب وعموم الناخبين، كما ترهبهم مطالب محاكمة المفسدين، وإن كان رفع المطلب ليس هو الشروع في الفعل (المحاكمة)، هؤلاء يربطون مصالحهم بكل ما هو نقيض ل "حركة 20 فبراير".
ـ فاسدو الإدارة: هؤلاء بدورهم أصبحوا في المغرب شبكة مستحكمة وغير معلنة، تتبادل المصالح والمنافع فيما بينها، غالبا يحتلون مناصب يكون لها تأثير يومي على المواطنين، ولهم "سلطة" تؤثر على المعيش اليومي ومصالح الناس، أو يكونون مسؤولين عن صرف الميزانيات أو توقيع وثائق.. هؤلاء الموظفون اغتنوا في العقود الأخيرة بشكل فاحش وغير مشروع، سواء عبر الرشاوى أو نيل "نصيبهم" من الصفقات أو ابتزاز الناس في مقابل خدمات مشروعة أو غير مشروعة.. هؤلاء لا يهمهم الانتقال إلى دولة الحق والقانون ووضع آليات المراقبة والمحاسبة، لأن ذلك في نظرهم سيحد من "مداخليهم" الإضافية التي تفوق أحيانا أجورهم المشروعة..
ـ أحزاب الإدارة والأحزاب التي تتبنى مواقف الإدارة: ليس من الضروري أن تكون الأحزاب المعنية بمعارضة "حركة 20 فبراير" ذات طبيعة متجانسة، فتناقضاتها فيما بينها لا تحصى، ما يجمعها هو أن ظهور الاحتجاجات قد أربك كل حساباتها، وهي (الأحزاب) تعرف أن فئات عريضة من الشباب المغربي غير مهتم بخطاباتها بل وبتواجدها أصلا، وقد أبانت في مناسبات عديدة أنها خارج السياق المجتمعي ومصالحه الضرورية والمشروعة في تحقيق العيش الكريم والديمقراطية الحق، وظهر بعد ميلاد"حركة 20 فبراير" أن هذه الأحزاب عالة على المجتمع، ويتجلى ذلك من نوعية "مطالبها" التي رفعتها من أجل مراجعة الدستور، حيث لم تلامس جوهر تبني الإرادة الشعبية في تسلم السلطة وتدبير الشأن العام الوطني.. وليس صدفة أن تتلقى دعما ماليا قويا عند انطلاق الحملة الدعائية بلغ 800 مليون سنتيم وما أكثر من ذلك لكل حزب، رغم أن وزارة الداخلية ذكرت أن ذلك من بقايا المساعدات التي تحصل عليها الأحزاب! لكن التساؤل المشروع هو لم في تلك الفترة بالضبط؟ والجواب واضح للجميع.
ـ الحزب السري: غالبا ما يطلق على وزارة الداخلية وأعوانها المتواجدين بكثافة في كل مكان، هي أقوى وزارة على الإطلاق، سواء بطاقمها البشري وباللوجستيك الموضوع رهن إشارتها، تنظم التظاهرات من وراء ستار، تعد لوائح الانتخابات حسب هواها، توزع البطائق الانتخابية، تنظم الاستفتاء وتعلن عن النتائج، تقوم بحملة دعائية منظمة وقوية وحتى دون أن يكلفها ذلك الإعلان عن نفسها، ونعطي مثلا بمنشور مستقل وضع داخل الجرائد أثناء الحملة دون أي توقيع، ووضع لافتات بالشوارع وببعض مكاتب التصويت حتى يوم الاقتراع...
متفرعات مناوئة:
من هذه الإرادات المناوئة المتأتية من المصادر المذكورة أعلاه، تتفرع عمليات ذات طابع تنفيذي تجاه "حركة 20 فبراير"، تقوم بها أطراف أخرى بعد تلقيها الأمر أو التشجيع أو الأجر...
من ذلك كثير من خطباء المساجد العاملين تحت إمرة "المجالس العلمية" ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وقد حولوا منبر الجمعة وخطبتها إلى وسيلة دعائية..
ثم بعض الزوايا المرتبطة بالمخزن أو بعض رموزه كالزاوية " البودشيشية" التي يرتبط بها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية نفسه، وقد هبت لنجدته أمام غضبة القيمين الدينيين الذي نظموا عدة مسيرات احتجاجية ذات طبيعة مطلبية خاصة، وتجدر الإشارة أن مسيرة البودشيشيين شارك فيها الخطباء والأئمة كذلك..
وساهم بدون "هوادة ونجابة" في التشويش على "حركة 20 فبراير" عدة منابر إعلامية، لعل القنوات التلفزية العمومية احتلت موقع الصدارة، ثم منابر صحفية ورقية متعددة بشكل مفضوح وسافر، وهو أمر منتظر في الظل التحكم الخفي في كل شيء، مع استعمال العصا حكالة رشيد نيني الذي أدخل السجن، أو الجزرة كاستعمال الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة لمنابر صحفية معروفة رغم "استقلاليتها"، أو منح حصص إشهار وإعلانات، ولعل أهمها الدعوة للمشاركة في الاستفتاء الممول من طرف وزارة الداخلية.
[مصطفى لمودن]
مصطفى لمودن
البلطجية: وهو مصطلح قادم من مصر، هناك دعوات لوضع تعريف خاص بالمغرب لهؤلاء، المهم أنهم يـُستعلمون حتى دون أن يفهموا القصد الذي هم من أجله "يناضلون"، يتم تهييجهم بخاطبات مغلوطة تحمل الحقد والكراهية تجاه "حركة 20 فبراير"، ويتم اختيارهم بعناية، وفق شروط محدد، منها الهشاشة الاجتماعية وضعف المستوى الثقافي، وأحيانا حتى من ذوي السوابق والمتجرون في الممنوعات، والمهددون في أرزاقهم في أية لحظة عبر منعهم من التنقل وعرض خدماتهم وسلعهم كماسحي الأحذية والبائعين المتجولين.. وهؤلاء هم أساسا ضحايا وليس خصوما طبيعيين ل"حركة 20 فبراير".. لكن أفعالهم خطيرة، حيث يتم تهييجهم، ويغض الطرف عن ممارساتهم العنيفة، وقد يتحولون مع الوقت إلى مليشيات غير منضبة لأي طرف، حتى للذين صنعوهم وأوجدوهم.
من الضحايا الآخرين الذين تم استعمالهم بعض ممتهني النقل السري الذين "يعملون" تحت رحمة المراقبين للنقل والطرقات رغم خدماتهم الجليلة لحل مشاكل النقل، وأصحاب النقل المزدوج، رغم أن هؤلاء يعملون برخصة، لكن تجاوزاتهم في حشر الركاب داخل (وحتى فوق) سياراتهم المتهالكة، أي أن غض الطرف عن ممارساتهم اللاقانونية لا يكون دائما بدون ثمن..هؤلاء شاركوا في نقل المناوئين أو تنظيم مسيرات مساندة ل"نعم" أو معرقلة لمسيرات "حركة 20 فبراير".
ليس من الضروري أن يتفق كل الشعب مع "حركة 20 فبراير" فبالإضافة إلى الخصوم "الطبيعيين" الذين ينوجدون بحكم طبيعة مصالحهم، هناك فئات أخرى تتوجس من أي "تغيير" محتمل، سواء لعامل نفسي صرف يعتاد على السكون والاكتفاء بما هو كائن، أو من يدلي بحجج مقنعة كتفادي الفوضى التي لا يرغب فيها طبعا أي عاقل ومتزن..وقد مثلت "حركة 20 فبراير" وهي من مواطنين لديهم كافة الأهلية رؤية أخرى لتدبير قضايا الوطن والمواطنين ضمن الشرط الديمقراطي، ومن حق الجميع أن يحتج ويعبر سلمياا عن رؤيته وتطلعاته، والغريب أن هناك من "البلطجية" من يدعو في شعاراته إلى طرد أعضاء "حركة 20 فبراير" خارج المغرب ! بينما شعارات الحركة تدعو إلى "محاكمة المفسدين".. المؤكد أن المغرب على مشارف حقبة جديدة تنطلق من العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، ما مداها؟ ما نتائجها على الفاعل السياسي وعلى شؤون الوطن والمواطنين؟ ذلك تجيب عنه التفاعلات والحراك المستمر في مجتمع يتحول وفي محيط دولي يتغير باستمرار...